فصل: سورة سبأ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الجواهر الحسان في تفسير القرآن المشهور بـ «تفسير الثعالبي»



.تفسير الآيات (56- 59):

{إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (56) إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا (57) وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا (58) يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (59)}
وقوله تعالى: {إِنَّ الله وملائكته يُصَلُّونَ عَلَى النبي...} الآية، تضمَّنَتْ شَرَفَ النّبي صلى الله عليه وسلم وعظيمَ منزلتِه عندَ اللّهِ تَعالى.
قالتْ فِرقَة: تقدير الآيةِ: أن اللّه يُصَلِّي وملائكتُه يصلُّون فالضَّميرُ في قوله {يُصَلُّونَ}: للملائِكةِ فَقط. وقالت فرقة: بل الضميرُ في {يُصَلُّونَ} لِلَّهِ والملائكة؛ وهذا قول من اللّه تعالى، شَرَّفَ به ملائكتَه؛ فَلاَ يُرِدُ عليه الاعتراضُ الذي جَاءَ في قَوْلِ الخَطِيبِ: مَنْ يُطِعِ اللّهَ وَرَسُولَهُ، فَقَدْ رَشَدَ، وَمَنْ يَعْصِيهِمَا، فَقَدْ ضَلَّ، فَقَالَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم: «بِئْسَ الخَطِيبُ أَنْتَ» وهذا القَدْرُ كَافٍ هُنَا، وصلاة اللّه تعالى: رحمةٌ منه وبركةٌ، وصلاة الملاَئكةِ: دعاء، وصلاةُ المؤمنين: دعاء، وتعظيم، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في كل حينٍ؛ من الواجباتِ وجوبَ السُّنَنِ المؤكَّدَةِ التي لا يسعُ تَرْكُها؛ وَلاَ يُغْفِلُها إلاَّ مَن لاَ خيرَ فيه، وفي حديث ابن عباس: أنه لما نزلت هذه الآية؛ قال قوم من الصحابة: «هَذَا السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللّهِ؛ قَدْ عرفْنَاهُ، فكَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْكَ؟» الحديث.
* ت *: ولفظ البخاري: عن كعب بن عُجْرَةَ قَالَ: قِيلَ: يَا رَسُولَ اللّهِ؛ أَمَّا السَّلاَمُ عَلَيْكَ، فَقَدْ عَرَفْنَاهُ، فَكَيْفَ الصَّلاَةُ؟ قَالَ: «قُولُوا: اللَّهُمَّ صَلِّ على مُحَمَّدٍ وعلى آلِ مُحَمَّدٍ؛ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إبْرَاهِيمَ؛ إنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، اللَّهُمَّ بَارِكْ على مُحَمَّدٍ وعلى آلِ مُحَمَّدٍ؛ كَمَا بَارَكْتَ على إبْرَاهِيمَ؛ إنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ» انتهى؛ وفيه طرقٌ يَزِيدُ فيها بعضُ الرواةِ على بَعْضِ، وفي الحديث عنه صلى الله عليه وسلم: «إنَّ مِنْ أَفْضَلِ أَيَّامِكُمْ يَوْمَ الجمُعَةِ، فَأَكْثِرُوا عَلَيَّ مِنَ الصَّلاَةِ فيه؛ فَإنَّ صَلاَتَكُمْ مَعْرُوضَةٌ عَلَيَّ» الحديثُ رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه، واللفظ لأبي داود، ورواه الحاكم في المستدرك من حديث أبي مسعود الأنصاري، وقال: صحيح الإسناد، وعن أبي هريرة رضي اللّه عنه قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم «مَا مِنْ أَحَدٍ يُسَلِّمُ عَلَيَّ إلاَّ رَدَّ اللّهُ عَلَيَّ رُوحِي؛ حتى أَرُدَّ عَلَيْهِ السَّلاَمَ» وعنْه قَالَ: قَالَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم: «صَلُّوا عَلَيَّ، فَإنَّ صَلاَتَكُمْ تَبْلُغُنِي حَيْثُ كُنْتُم» رواهما أبو داود، وعن ابن مسعود رضي اللّه عنه أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «أَوْلَى النَّاسِ بِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَكْثَرُهُمْ عَلَيَّ صَلاَةً» رواه الترمذي، وابن حِبَّانَ. في صحيحيه، ولفظهما سواء، وقال الترمذي حسن غريب. انتهى من السلاح.
وقولُه سبحانه: {يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جلابيبهن} الجلبابُ: ثوبٌ أَكْبَرُ مِنْ الخِمَار، ورُوِي عَن ابن عباس وابن مسعود: أَنَّهُ الخمارُ، واخْتُلِفَ في صورة إدنائه: فقالَ ابنُ عباسٍ وغيره: ذلك أن تَلْوِيَه المرأةُ حَتَّى لا يظهرَ منهَا إلاَّ عينٌ واحِدَةٌ تبصر بها، وقال ابن عباس أيضاً وقتادةُ: ذلك أن تلويه الجبينِ وتشدُّهُ، ثم تَعْطِفَهُ على الأنفِ، وإن ظهرتُ عَيْنَاها؛ لكنَّه يستر الصدر ومعظمَ الوجهِ.
وقوله: {ذلك أدنى أَن يُعْرَفْنَ}: حتى لا يختلطّن بالإمَاءِ، فَإذَا عُرِفْنَ لم يقابَلْن بأذَى. من المعارضة؛ مراقبةً لرتبةِ الحرائر، وليس المعنى أن تُعْرَفَ المرأةُ حتى يعلمَ من هي؛ وكان عمر إذا رأى أمَةً قد تقنعت قَنَّعَها بالدِّرَّةِ محافظةً على زِيِّ الحرائر.

.تفسير الآيات (60- 71):

{لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا (60) مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا (61) سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا (62) يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبًا (63) إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا (64) خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (65) يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا (66) وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا (67) رَبَّنَا آَتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا (68) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آَذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا (69) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا (71)}
وقوله تعالى: {لَّئِن لَّمْ يَنتَهِ المنافقون...} الآية. اللام في قوله: {لَّئِن} هي المؤذنة بمجيء القسم، واللام في {لَنُغْرِيَنَّكَ}: هي لامُ القسمِ.
قلت: ورَوَى الترمذيُّ عن ابن عُمَرَ قال: صَعِدَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم المِنْبَرَ، فنادى بِصَوْتٍ رَفِيعٍ، فَقَالَ: «يَا مَعْشَرَ مَنْ قَدْ أَسْلَمَ بلِسَانِهِ، وَلَمْ يَفُضْ الإيْمَانُ إلى قَلْبِهِ، لاَ تُؤْذُوا المُسْلِمِينَ وَلاَ تُعَيِّرُوهُمْ، وَلاَ تَتَّبِعُوا عَوْرَاتِهِمْ، فَإنَّهُ مَنْ يَتَّبِعْ عَوْرَةَ أَخِيهِ المُسْلِمِ؛ يَتَبِعَ اللّهُ عَوْرَتَه؛ وَمَنْ يَتَّبِعِ اللّهُ عَوْرَتَهُ يَفْضَحْه، وَلَوْ فِي جَوْفِ رَحْلِهِ...» الحديث. انتهى. ورواه أبو دَاودَ في سننه من طريق أبي برزة الأسلمي عن النبي صلى الله عليه وسلم وتوعَّد اللّه سبحانه هذه الأصنافَ في هذه الآية.
وقوله سبحانه {والذين فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ} المرض، هنا: هو الغَزَل وحب الزنا؛ قاله عكرمة. {والمرجفون فِي المدينة}: هم قوم كانوا يتحدثون بغزو العربِ المدينةَ؛ ونحوِ هذا مما يُرْجِفُونَ بهِ نُفُوسَ المؤمنينَ، فيحتمل أنْ تكونَ هذه الفِرَقُ دَاخِلَةً في جملة المنافقين، ويحتمل أن تكونَ متباينةً و{نغرينك} معناه: نحضك عليهم بعد تعيينهم لك. في البخاري: وقال ابن عباس: {لَنُغْرِيَنَّكَ}: لنسلطنك. انتهى.
وقوله تعالى: {ثُمَّ لاَ يُجَاوِرُونَكَ} أي: بعد الإغراء لأنك تَنْفِيهم بالإخافَة والقَتْلِ.
وقوله: {إِلاَّ قَلِيلاً} يحتمل: أن يريد إلا جِوَاراً قليلاً، أو وقتاً قليلاً، أو عدداً قليلاً، كأنه قال: إلا أقلاءَ، و{ثُقِفُواْ}: معناه: حُصِرُوا وقُدِرَ عليهم و{أُخِذُوا}: معناه: أُسِرُوا والأخِيذُ الأسِيرُ: {والذين خَلَوْاْ} هم منافقوا الأمم، وباقي الآية مُتَّضِحُ المعنَى. و{السبيلا}: مفعولٌ ثَانٍ؛ لأَنَّ {أَضلَّ} متعدٍ بالهَمْزَةِ، وهي سبيلُ الإيمانِ والهُدَى، {والذين ءَاذُوْاْ موسى}: هم قومُ مِن بَنِي إسرائيل. قال ابن عباس وأبو هريرة وجماعة: الإشارةُ إلى ما تضمَّنه حديثُ النبي صلى الله عليه وسلم «من أَنَّ بَنِي إسرائيل كَانُوا يَغْتَسِلُونَ عُرَاةً، وَكَانَ موسى عليه السلام رَجُلاً سِتِّيراً حَيِّياً، لاَ يَكَادُ يرى مِنْ جَسَدِهِ شَيْءٌ؛ فَقَالُوا: وَاللّهِ، مَا يَمْنَعُ موسى أَنْ يَغْتَسِلَ مَعَنَا إلاَّ أَنَّهُ آدَرُ أَوْ بِهِ بَرَصٌ، فَذَهَبَ يَغْتَسِلُ؛ فَوَضَعَ ثَوْبَهُ على حَجَرٍ، فَفَرَّ الحَجَرُ بِثَوْبِهِ، فَلَجَّ موسى فِي إثْرِهِ يَقُولُ: ثَوْبِي حَجَرُ، ثَوْبِي حَجَرُ، فَمَرَّ بِهِمْ فَنَظَرُوا إلَيْهِ؛ فَقَالُوا: وَاللّهِ، مَا بموسى مِنْ بَأْسٍ» الحديثُ خرَّجه البُخَاريُّ وغيره، وقيل في إذَايتهم غيرُ هذا. {فَبرَّأَهُ الله مِمَّا قَالُواْ} والوجيهُ: المكرَّمُ الوجهِ، والقولُ السَّدِيدُ: يَعُمُّ جَميعَ الخيراتِ وقال عكرمة: أراد لا إله إلا اللّه وباقي الآية بيِّن.

.تفسير الآيات (72- 73):

{إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا (72) لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (73)}
وقوله سبحانه: {إِنَّا عَرَضْنَا الأمانة عَلَى السموات والأرض...} الآية، ذهب الجمهور: إلى أن الأمانةَ كلُّ شيء يُؤتمن الإنسانُ عليه من أمر؛ ونهي وشأن دين ودنيا؛ فالشرعُ كلّه أمانة؛ ومعنى الآية: إنا عرضْنَا على هذه المخلوقاتِ العظامِ أنْ تحملَ الأوامرَ والنَّواهي ولهَا الثوابُ إن أحْسَنَتْ، والعقابُ إن أساءت فأبتْ هذه المخلوقاتُ وأشفقت، فيحتمل أن يكونَ هذا بِإدراكٍ يَخْلُقُه اللّهُ لَهَا ويُحْتَمَلُ أنْ يكونَ هذا العَرْضُ على مَنْ فِيها من الملائِكةِ، وحَمَلَ الإنسانُ الأمانةَ، أي: التزَمَ القِيامَ بِحَقِّهَا، وهو في ذلك ظَلُومٌ لِنَفْسِهِ جَهُولٌ بقدر مَا دخَل فيه؛ وهذا هو تأويل ابنِ عباس وابن جبير. قال ابن عباس وأصحابُه: و{الإنسان} آدم تَحمَّلَ الأَمانةَ؛ فَما تَمَّ لَهُ يَوْمٌ حَتَّى وَقَعَ فِي أمرِ الشَّجرةِ. وقال بعضُهم: {الإنسان}: النَّوعُ كلّه؛ فعلى تأويلِ الجمهور يكونُ قولُهما في الآية الأخرى {أَتَيْنَا طائعين} إجابةً لأَمْرٍ أُمِرْت بِهِ وتَكُونُ هذه الآيةُ إبايَةً وإشفاقاً مِنْ أَمْرٍ عُرِضَ عَلَيْهَا وخُيِّرَتْ فِيه.
وقوله تعالى: {لِّيُعَذِّبَ}: اللامُ لامُ العَاقِبَة، وكذا قَال أبو حيان: اللام في {لِّيُعَذِّب}: للصَّيْرُورَةِ؛ لأَنَّه لَمْ يَحْمِلْ الأَمَانَةَ ليُعَذَّبَ، ولكنْ آلَ أمره إلى ذلك.
* ص *: أبو البقاء: اللام تتَعلق ب: {حَمَلَهَا} وقرأ الأعمش: ويتوبُ بالرفع على الاسْتِئْنَافِ، واللّهِ أعلم. انتهى. وباقي الآية بيِّن.

.سورة سبأ:

واختلف في قوله تعالى: {ويرى الذين أوتوا العلم} الآية، فقيل: ذلك مكي، وقيل: مدني.
بسم الله الرحمن الرحيم

.تفسير الآيات (1- 2):

{الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآَخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ (1) يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ (2)}
قوله تعالى: {الحمد لِلَّهِ الذي لَهُ مَا فِي السموات وَمَا فِي الأرض} الأَلِفُ واللام في {الحمد}: لاستغراق جنس المحامد، أي: الحَمْد على تَنَوُّعِهِ هُو لِلَّهِ تَعَالَى مِنْ جميع جهات الفكرة، {وَيَلِجُ} معناه: يدخل، و{يَعْرُجُ} معناه: يَصْعَدُ.

.تفسير الآيات (3- 11):

{وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عَالِمِ الْغَيْبِ لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَلَا أَصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (3) لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (4) وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آَيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ (5) وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ وَيَهْدِي إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (6) وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلَى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ (7) أَفْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَمْ بِهِ جِنَّةٌ بَلِ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ فِي الْعَذَابِ وَالضَّلَالِ الْبَعِيدِ (8) أَفَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفًا مِنَ السَّمَاءِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ (9) وَلَقَدْ آَتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلًا يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ (10) أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (11)}
قوله تعالى: {وَقَالَ الذين كَفَرُواْ لاَ تَأْتِينَا الساعة} رُوِيَ: أَنَّ قائلَ هذه المقالة هُو أَبُو سفيانَ بنِ حَرْبٍ، والَّلامُ من قوله: {لِّيَجْزِيَ} يَصِحُّ أَنْ تكونَ متعلقةً بقوله: {لَتَأْتِيَنَّكُمْ} و{الذين} مَعْطُوفٌ عَلَى {الذين} الأولى، أي: ولِيَجْزَي الَّذِينَ سَعَوْا و{معاجزين} معناه: مُحَاوِلِينَ تَعْجِيزَ قدرةِ اللّهِ فِيهمْ، ثُم أَخْبَرَ تَعَالَى بَأَنَّ الذِينَ أُوتُوا العِلمَ يَرَوْنَ الوَحْيَ المُنَزَّل عَلَى مُحَمَّدٍ عليه السلام حَقاً، وَالَّذِينَ أُوتُوا العِلْمَ قِيلَ: هُمْ مَنْ أَسْلَمَ مِنْ أَهْلِ الكِتَابِ، وَقَالَ قَتَادَةُ: هُمْ أُمَّةُ مُحَمَّدٍ الْمُؤْمِنُونَ بِهِ، ثُمَّ حَكَى اللّهُ تَعَالَى عَنْ الكُفَّارِ مَقَالَتَهُمْ الَّتِي قَالُوهَا عَلَى جِهَةِ التَّعَجُّبِ وَالهُزْءِ وَاسْتِبْعَادِ البَعْثِ، هل نَدُلُّكُمْ عَلَى رَجُلٍ؛ يَعْنُونَ مُحَمَّداً صلى الله عليه وسلم {يُنَبئُكُمْ إذا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ} بِالبِلَى وَتَقَطُّعِ الأَوْصَالِ فِي القُبُورِ وَغَيْرِهَا و{جَدِيدٍ} بمعنى مُجَدَّدِ، وقولهم: {أفترى عَلَى الله كَذِباً} هُوَ أَيْضاً مِنْ قَوْلِ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ، ثُمَّ أَضْرَبَ عَنْ قَوْلِهِمْ؛ فَقَالَ: {بَلِ الذين لاَ يُؤْمِنُونَ بالأخرة فِي العذاب}: يُريدُ عَذَابَ الآخرةِ؛ لأَنَّهُمْ صَائِرُونَ إلَيْه، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يريدَ عَذَابَ الدنيا أَيضاً، والضَّمِيرُ فِي قوله: {أَفَلَمْ يَرَوْاْ} لهؤلاء الذين لا يؤمِنُونَ بالآخرةِ وَقَفَهُمْ اللّه على قدرتِه، وخَوَّفَهُم من إحاطَتِهَا بهِمْ، والمعنى: أليسَ يَرونَ أمامَهم وَوَرَاءَهُم سَمَائِي وَأَرْضِي، وَبَاقِي الآيةِ بَيِّنٌ، ثم ذكَر اللّه تَعَالَى نعمتَه عَلى دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ احتجَاجاً عَلى مَا مَنَحَ مُحَمَّداً، و{أَوِّبِي} مَعنَاه: رَجِّعي معه، قال ابنُ عَبَّاسٍ وغيرُهُ: معناه: يا جبالُ سَبِّحِي مَعَه، أي: يُسَبِّحُ هُوَ وتُرَجِّع هِيَ معه التسبيحَ، أي: تُرَدِّدُهُ بالذكر.
وقال مؤرخ: {أَوِّبِي} سَبِّحِي بِلُغَةِ الحَبَشةِ، وقَرَأَ عَاصِمُ: {والطيرُ} بالرفع عَطْفاً عَلى لفظِ قوله: {يا جبال} وَقَرَأَ نَافِعُ وَابْنُ كَثِيرٍ: {والطيرَ} بِالنَّصَبِ.
قَالَ سَيبَوَيْهِ: عَطَفَ عَلَى مَوْضِع قَوْلِهِ: يا جبال لأَنَّ مَوْضِعَ المنادَى المفردِ نصبٌ، وقيل: نَصْبُها بإضمار فِعْلٍ تقديرُه وسخَّرْنَا الطَّيْرَ، {وَأَلَنَّا لَهُ الحديد} مَعْنَاه: جَعَلْنَاهُ لَيِّناً، ورَوَى قَتَادَةُ وَغَيْرِه: أَنَّ الْحَدِيدَ كَانَ لَهُ كَالشَّمْعِ؛ لاَ يَحْتَاجُ فِي عَمَلِهِ إلَى نَارٍ، والسابغات: الدُّرُوعُ الكَاسِيَاتِ ذَوَاتُ الفُضُولِ.
وَقَوله تعالى: {وَقَدِّرْ فِي السرد} قَالَ ابنُ زَيْدٍ: الذي أَمَرَ بهِ هُوَ فِي قدر الحَلْقَة، أي: لا تَعْمَلْهَا صَغِيرَةً فَتَضْعُفَ؛ فَلا يَقْوَى الدِّرْعُ عَلى الدِّفَاعِ، وَلاَ تَعْمَلْهَا كَبِيرَةً، فَيُنَالَ لاَبِسُهَا مِنَ خِلاَلِهَا.
وقال ابن عباس: التقديرُ: الَّذِي أَمَر بهِ هُو فِي المِسْمَارِ، وذَكَرَ البُخَارِيُّ فِي صحيحهِ ذَلِكَ؛ فَقَالَ: المَعْنَى: لاَ تَدِقَّ المِسْمَارَ فَيَتَسَلَّلَ وَلاَ تُغْلِظَهُ فَيَنْقَصِمَ بالقافِ وبالفاء أيضاً رواية.
* ت *: قال الهُرَوِيُّ: قوله تعالى: {وَقَدِّرْ فِي السرد} {السرد} مُتَابَعَةُ حَلَقِ الدِّرْعِ شَيْئاً بعد شيء حتى يتناسقَ، يقالُ: فُلاَنٌ يَسْرِدُ الحَدِيثَ سَرْداً، أي: يُتَابِعُه. انتهى.

.تفسير الآيات (12- 13):

{وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ (12) يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ اعْمَلُوا آَلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ (13)}
وَقَوْلُه تَعَالَى: {ولسليمان الريح} المَعْنَى: ولسليمانَ سخَّرْنَا الريح، و{غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ}.
قال قتادة: معناه: إنها كانت تُقْطَعُ بِه فِي الغُدُوِّ إلَى قُرْبِ الزَّوَالِ؛ مَسِيرَةَ شَهْرٍ، وَتَقْطَعُ فِي الرَّوَاحِ مِنْ بَعْدِ الزَّوَالِ إلى الغُرُوبِ، مسيرةَ شَهْرٍ وَكَانَ سليمانُ إذَا أرادَ قَوْماً لَمْ يَشْعُرُوا حَتَّى يُظِلَّهم في جَوِّ السَّمَاءِ. وقوله تعالى: {وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ القطر}:
قَال ابن عباس، وغيره: كانتْ تَسِيلُ لَهُ باليَمَنِ عَيْنٌ جَارِيَةٌ مِنْ نُحَاسٍ؛ يُصْنَعُ لَهْ مِنْها جَمِيعُ مَا أَحَبَّ، و{القطر}: النُّحَاس، و{يَزِغْ}: معناه: يَمِلْ، أي: يَنْحَرِفُ عاصياً، وقال: {عَنْ أَمْرِنَا} ولم يقل: عن أرادتنا لأَنَّهُ لاَ يَقَعُ في العالِم شَيءٌ يخالفُ إرَادتَهُ سُبْحَانه تعالى ويقعُ ما يخالفُ الأَمر، وقوله: {مِنْ عَذَابِ السعير} قيل: عذابُ الآخرة.
وقيل: بَلْ كَانَ قَدْ وُكِّلَ بهِنْ مَلكٌ بيدِه سَوْطٌ مِن نَارٍ السَّعِيرِ؛ فَمَنْ عَصَى ضَرَبَهُ فَأَحْرَقَهُ، والْمَحَارِيبُ: الأَبْنِيَةُ العَالِيَةُ الشَّرِيفَةُ، قَالَ قَتَادَةُ: القصورُ والمسَاجِدُ والتَّمَاثِيلُ، قِيلَ: كَانَتْ مِن زُجَاجٍ وَنُحَاسٍ تَمَاثِيلُ أَشْيَاءَ لَيْسَتْ بِحَيَوانٍ، والجوابي: جَمْعُ جَابِيةٍ وَهِي البِرْكَةُ التي يُجْبَى إلَيْهَا الماءُ و{راسيات} مَعْنَاه: ثابتاتُ لِكِبَرهَا، ليستْ مِمَّا يُنْقَلُ أو يُحْمَل ولا يَسْتَطِيعُ عَلَى عَمَلِهِ إلاَّ الجنُّ، ثُمَّ أُمرُوا مَعَ هذهِ النعمِ بأَنْ يَعْمَلُوا بالطَّاعَاتِ، و{شُكْراً} يُحْتَمَلُ نَصْبُه عَلى الحَالِ، أوْ عَلَى جِهَةِ المَفْعُولِ، أي: اعملوا عَمَلاً هو الشكرُ كَأَنَّ العِبَادَاتِ كُلَّها هِي نَفْسُ الشُّكْرِ، وفي الحديث: أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم صَعَدَ المنبرَ فَتَلا هذه الآيةَ، ثم قال: «ثَلاثٌ من أُوتِيهِنَّ فَقَدْ أُوتِي العَمَلَ شُكْراً: العدلُ في الرضَا والغَضَبِ، والقَصْدُ فِي الفَقْرِ والغِنَى، وخَشْيَةُ اللّهِ فِي السِّرِّ والعَلانِيَة»، وَهَكَذَا نَقَلَ ابنُ العَرَبِيِّ هَذَا الحَدِيثَ فِي أحْكَامِهِ وَعِبَارَةُ الدَّاوُوديِّ: عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَرَأَ عَلَى المِنْبَرِ: {اعملوا آلَ دَاوُدَ شُكْراً}، وَقَالَ: «ثَلاَثٌ مَنْ أُوتِيَهُنَّ فَقَدْ أُوتِيَ مِثْلَ مَا أُوتِيَ آلُ دَاوُدَ: العَدْلُ فِي الغَضَبِ وَالرِّضَا، وَالقَصْدُ فِي الفَقْرُ والغنى، وذِكْرُ اللّهِ تَعَالَى فِي السِّرِّ وَالعَلاَنِيَةِ» قَال القُرْطُبِي الشُّكْرُ تَقْوَى اللّهِ وَالعَمَلُ بِطَاعَتِهِ انتهى.
قالَ ثابتٌ: رُوِيَ أَنَّ دَاوُدَ كَانَ قَدْ جَزَّأَ سَاعَاتِ اللَّيْلِ والنَّهَارِ عَلَى أَهْلِهِ؛ فَلَمْ تَكُنْ تَأْتِي سَاعَةٌ مِنْ سَاعَاتِ اللَّيْلِ والنَّهَارِ؛ إلاَّ وَإنْسَانٌ مِنْ آل دَاودَ قَائِمٌ يُصَلِّي؛ يَتَنَاوَبُونَ دَائِماً، وَكانَ سُلَيْمَانُ عَلَيْهِ السَّلاَم فيما رُوِيَ يَأْكُلُ الشَّعِيرَ وَيُطْعِمُ أَهْلَه الخُشْكَارَ، ويُطْعِمُ المسَاكِينَ الدَّرْمَكَ، وَرُوِيَ أَنَّه مَا شبِعَ قَطٍّ، فقيلَ له في ذلك؛ فقال: أخَافُ إنْ شَبِعْتُ أَنْ أنْسَى الجِياعَ.
وقَولُه تَعَالى: {وَقَلِيلٌ مّنْ عِبَادِيَ الشكور} يُحْتَمَلُ: أنْ تَكونَ مخَاطَبَةً لآلِ دَاوُدَ، ويحتمل: أنْ تكونَ مخاطبةً لنبيِّنَا محمدٍ صلى الله عليه وسلم وَعَلَى كُلٍّ وَجْهٍ؛ فَفِيهَا تَحْرِيضٌ وَتَنْبِيهٌ، قال ابنُ عَطَاءِ اللّهِ فِي الحِكَم: مَنْ لَمْ يَشْكُر النعمَ فَقَدْ تَعَرَّضَ لِزَوَالِها، وَمَنْ شَكَرَهَا فَقَدْ قَيَّدَهَا بِعِقَالِها.
وقَالَ صَاحِبُ الكَلِمِ الفَارِقية: لاَ تَغْفَلْ عَنْ شُكْرِ الصَّنَائِعِ؛ وَسُرْعَةِ استرجاع الوَدَائِعِ، وَقَالَ أيْضاً: يَا مَيِّتاً نُشِرَ مِنْ قَبْرِ العَدَمْ، بحُكْمِ الجُودِ والكَرَمِ، لاَ تَنْسَ سَوَالِفَ العُهُودِ والذِّمَمِ، اذكُرْ عَهْدَ الإيجَادِ، وَذِمَّةَ الإحْسَانِ والإرْفَادِ، وَحَالَ الإصْدَارِ والإيرَادِ، وفاتحة المَبْدَإِ وَخَاتِمَةَ المَعَادِ، وَقَالَ: رحمه اللّه: يَا دَائِمَ الغَفْلَةِ عَنْ عَظَمَةِ رَبِّه، أيْن النَّظَرُ فِي عَجَائِبِ صُنْعِه، والتَّفَكُّرُ فِي غَرَائِبِ حِكْمَتِهِ، أيْنَ شُكْرُ مَا أَفَاضَ عَلَيْكَ مِنْ مَلاَبِسِ إحْسَانِه ونِعَمِهِ، يَا ذَا الفِطْنَةِ، اغْتَنِمْ نِعْمَةَ المُهْلَة، وَفُرْصَةَ المُكْنَةِ، وَخِلْسَةَ السَّلاَمَةِ، قَبْلَ حُلُولِ الحَسْرَةِ وَالنَّدَامَةِ. انتهى.